خلل و اختلال الانظمة العراقية

خلل و اختلال الانظمة العراقية

قبل الدخول في تفاصيل ما يحدث في البلاد من المجريات الاقتصادية والمالية والمصرفية ، لابد من تعريف الفرق بين (الخلل )و( الاختلال) .

يرد عبارة ( خلل) في كثير ممن المواضيع العلمية وغيرها وهي اي عبارة( الخلل) في اساس الكلمة تعني وجود عطب ما او عطل ما او تناسق غير مرغوب لقضية معينة مرتبطة بصورة متسلسلة من بدايتها حتى نهايتها ، وبكل الاحوال يكون هذا (الخلل )مصاحب لنشوء الشيء اي متواجداً منذ تواجد ذلك الشيء بغض النظر عن توقيت ظهور الخلل .

اما عبارة (الاختلال) فانها مختلفة كليًا عن ما سبقها من عبارة ( الخلل) ، ذلك ان (الاختلال ) يكون غير ناشئ مع الشيء وانما يكون بصورة طارئة في اي جزء من السلسلة المترابطة للشيء وقد يظهر تباعاً او عشوائياً ويرجع في كثير من الاحيان الى عدم معرفة التعامل مع ذلك الموضوع او الشيء مما يودي الى حصول اختلال فيه ، ولا يمكن اعتبار اي اختلال حالة غير متوقعة ففي بعض الاحيان يكون هناك تقصد لحصول ولاحداث الاختلال والاختلالات لحاجة ما او لغرض ما.

الخلل والاختلال في السيارات مثالاً .

عند اقتناء مركبة (سيارة )جديدة غير مستعملة فالمفروض ان تكون هذه السيارة قد تمت فحصها بصورة اجمالية وتمت تجربة وفحص عمل وظائف اجهزة السيارة تفصيلياً، مثلاً هل يعمل محرك السيارة بدون تعثر؟ ، هل هناك في المحرك صوت غير مرغوب ؟، هل يتعامل المحرك مع مغير السرعة بشكل هارموني ؟، هل مستوى تدفق الوقود الى المحرك بالكمية المطلوبة اي لا اكثر ولا اقل من حاجة المحرك ؟ لانها سوف تعثر من عمل المحرك في كلتا الحالتين .

مع تكملة جميع الفحوصات المطلوبة وفي حال نجاح المركبة وعبورها الفحوصات ايجابياً فان تلك المركبة سوف تختم بانها صالحة للعمل وخالية من الخلل .

في بعض الاحيان ياتي اناس غير متمرسين في السياقة غير ملمين بشروط المتانة غير أبهين بمتطلبات المركبة التي تجعل من هذه الالة تعمل وتستمر بالعمل بصورة جيدة ، ليقوم هكذا اناس ببعض الاجراءات التي تودي بتلك المركبة ان تكون فيها عطل معين مما يعني احداث اختلال فيها .

مثلا ان يتم تزويد المركبة بوقود غير مناسب او وقود محتوي على شوائب فان هذا الوقود سوف يؤدي الى اختلال في وظيفة مضخة الوقود (فيت پامپ) الخاصة بالمركبة وكنتيجة لهذا الاختلال سوف تتوقف المركبة عن العمل وقد يقوم السائق بتغيير المضخة ويأتي بمضخة غير ملائمة ليكون المحرك في (حيص بيص) مع كمية الوقود المجهز سواءاً بكميات اكثر او اقل . ففي كل الاحوال احدث السائق اختلالاً في تلك المركبة ، بدءاً من الوقود غير المناسب وانتهاءاً بتغيير المضخة وجلب مضخة اخرى غير مناسبة.

انظمة الدولة العراقية.

الذي نقصد بالانظمة هي تلك الاسس المختلفة الاختصاص في الدولة كالنظام الاداري، النظام المالي،النظام السياسي ،النظام الامني ،…..الى بقية الانظمة ، والتي بمجموع هذه الانظمة تكون منظومة الدولة العراقية.

ذكرنا سابقا وفي مقالات عديدة قبل سنوات حول وجود خلل في النظام الاداري والاجتماعي للعراق حيث ان هذا الخلل وجد مع ايجاد الدولة العراقية بعد انهيار الدولة العثمانية وظهور دول وخرائط جديدة في الشرق الاوسط كان العراق واحدًا من تلك الدول وعلى هذا الاساس كنا من اوائل من نظّر وطالب بايجاد عقد اجتماعي جديد للعراق يحفظ البلاد والعباد من عاديات الزمان وانقلابات الدهور . ذلك ان الخلل كما قلنا يكون مع التواجد والنشوء بالتالي لايمكن تصليح الخلل بدون تعديل صيغة التواجد من خلال عقد اجتماعي واداري جديد.

ما يهمنا في هذا المقال هو الاختلال وليس الخلل ، حيث نجد هذا الاختلال حاليا في النظام المالي للدولة العراقية ، ان نشوء الاختلال في النظام المالي بدء بصورة رئيسية بعد احداث ١٩٩١ والحصار الاقتصادي على العراق ليقوم النظام السابق بطبع عملات جديدة محلية ولتبدا مشوار الاختلال المالي وليبدا البنك المركزي العراقي قصة الانحدار بين البنوك العالمية ولينحدر الاحتياطي المركزي للبلاد الى ادنى مستوياته.

بعد تغيير النظام سنة ٢٠٠٣ ونشوء (الدولة العراقية الجديدة ) ذات المعايير المختلفة في التعاملات المالية والاقتصادية ومع خروج العراق عملياً من متاهة الحصار الى اقتصاد السوق وتحول العراق الى دولة مستوردة لكل شيء تقريبًا استمر الاختلال في النظام المالي وصولاً الى ما نحن عليه الان .

حقيقة الامر كانت هناك محاولات لتعديل الاختلال المالي لكن الظروف التي عصفت بالبلاد كانت تودي دائمًا الى ان تكون هناك حلول سريعة وسهلة للمحافظة على الهيكل العام للمنظومة العراقية من خلال النظام المالي فكانت سياسة (مزاد العملة ) والتي استمرت وسوف تستمر الى فترة اخرى لحين تعديل الاختلال المالي المتمثل بالقيمة الحقيقة للدينار العراقي والية ارتباط العراق باقتصاد السوق وحجم التضخم ومدى السيطرة السياسية على النظام المالي اضافة الى وجود رؤوس اموال عملاقة تستطيع تغيير المعادلة المالية متى ما شاءت .

في الحكومة السابقة كان مشروع (الورقة البيضاء ) وحسب ما تم الكلام عن ذلك (المشروع الطموح ) بانه محاولة تعديل الاختلال المالي والاقتصادي الموجود في الدولة العراقية، الا ان الذي حصل بصورة ملحوظة هو تغيير سعر الصرف للدينار العراقي امام الدولار واستمرار مزاد العملة والكثير من علامات الاستفهام حول مدى جدية ومدى تطبيق تلك(الورقة البيضاء) الى حين استقالة وزير المالية السابق وليضاف جزئيات متخلخلة اخرى الى الاختلال الموجود اصلاً، وليستمر الاختلال في النظام المالي بل ويتعمق هذا الاختلال اكثر من خلال تغيير سعر صرف الدولار العراقي امام الدولار .

هذا الاجراء وضع الحكومة الحالية ( حكومة السوداني ) امام تحدٍ كبير من خلال السيطرة على الاختلال( وليست معالجتها كخطوة اولى ) في سوق العملة مع رؤية عملية في تخفيض قيمة الدولار امام الدينار ، ولتكون هناك معاملات كثيرة (داخلية - خارجية - سياسية - تنافسية) تؤشر جميعها الى تعميق الاختلال .

الادارة الحالية للبنك المركزي عملت على ضبط ايقاع سوق العملة من خلال اجراءات معينة مع ملاحظة استمرار مزاد العملة وهذه الاجراءات جيدة في الوقت الحالي وقد تكون هناك اجراءات اخرى تزيد من السيطرة على سوق العملة وتودي الى استقرار اكثر للاسواق في البلاد حيث لا يزال السوق العراقي بجميع تفاصيله في حالة ترقب واقرب الى الركود وان ارتفاع اسعار المتطلبات اليومية لم تنخفض الى الان ، ان عملية خلق توازن محلي -دولي تحتاج الى فترة زمنية والى استيعاب المستجدات الاقتصادية- السياسية) بالتالي نجد ان ايجاد حلول طويلة الامد وادامة الاستقرار تحتاج ومعالجة الاختلال المالي بصورة عامة في الدولة العراقية الى تشكيل فريق عمل برئاسة البنك المركزي

وعضوية ادارات وزارة المالية والاوراق المالية والخبراء والاكاديميين ذات الاختصاص الدقيق ومراكز عالمية في مجال تعديلات الانظمة المالية . وليشرع هذا الفريق في معالجة الاختلال المالي للعراق والذي امتد لاكثر من ثلاثين سنة وليكون نقطة مضيئة في سجل الحكومة الحالية وليتم انقاذ البلاد من حالة الركود والتي ان استمرت فانها سوف تقضي على كثير من القطاعات الخاصة الصغيرة والمتوسطة.