الهندسة العكسية في المؤسسات

الهندسة العكسية في المؤسسات

منذ طفولتي و أنا شغوف بالهندسة العكسية (حيث يمكن تعريفها بشكل بسيط بانها عملية دراسة البنية الحاضرة لشيء ما ودراسة الية العمل الحالية من خلال تحليل نظام عمل ذلك الشيء ومعرفة خوارزمية تصنيعه.) ،فقد كنت اتابع ما يتم بث من برامج و تقارير علمية حول هذا الموضوع والمواضيع المتعلقة بالهندسة العكسية و كنت استعمل هذه الرؤية في حياتي العلمية والعملية ،

بدءًا من ألعاب المكعبات وصولًا إلى ألعاب الميكانيكا والكهرباء اثناء مرحلة الطفولة ، وحتى في الامتحانات في المراحل الدراسية المختلفة ،فتكفي ان تعطى في السؤال فقرة ( علما ان النتيجة كذا ) فعلى الفور كنت اقوم بعملية الهندسة العكسية من تفكيك النتيجة وتحليلها العلمي لخوارزمية المسألة وصولاً لايجاد الحل مباشرة من خلال تلك النتيجة والصعود الى الأعلى تدريجياً وصولًا الى بداية السؤال ،ومرة اخرى فان الهندسة العكسية هي استخدام عملية تحليل منظومة ما أو متابعة آلياته وتفكيك المعطيات وصولًا إلى نقطة البداية والنهوض بمسارات التجميع بعد ذلك .
من ضمن ما اذكر في احدى زياراتي العلمية قبل حوالي عشرين سنة الى احدى المؤسسات التصنيعية في الولايات المتحدة الاميركية ، ذكر لنا مدير المؤسسة بانهم يرحبون بكل الزوار ومن كل الجنسيات الا انهم يتحفظون على زيارات دول اقصى قارة اسيا مثل الصين ،وعندما سالته لماذا ؟ ، كان جوابه بانهم بارعين جدًا في ذاكرتهم الصورية وبارعين اكثر في الهندسة العكسية فيكفي ان يروا ويحفظوا شكل اي مادة مصنعة ليرجعوا الى بلادهم ويقومون بعكس المادة الى موادها ومراحلها الاولية للتصنيع وخططها الاولية وبعد ذلك اعادة التصنيع للمادة بصورة كاملة واخيراً كتابة عبارة (صنع في الصين ).

بالعودة الى ايام الطفولة ومرحلة الاكتشافات في الحياة ومن خلال شغفي بالهندسة العكسية فقد وجدت بان هناك بعض المواد المصنعة لا تتواءم مع فكرة الهندسة العكسية في اعادة انتاجها فقد لاحظت ان بعض الألعاب البلاستيكية التي كنت أقوم بإذابتها لغرض الوصول إلى مادتها الأولية لأقوم بعد ذلك بإعادة تشكيل تلك الألعاب مرة أخرى، واذا بالنتيجة كانت تكون غير صحيحة و اتفاجىء بالحصول على نماذج مشوهة او حتى عدم الحصول على أي نموذج ومع تكرار المحاولة تكون النتيجة ابعد فأبعد عن النموذج الأصلي .
مما يعني انه ليس كل شيء قابل للتفكيك وليس كل شيء قابل لإعادة الإنتاج بعد الإذابة او التفكيك .مما يوجب علينا دراسة مستفيضة للأمور والأدوات التي ننوي إذابتها و اعادة إنتاجها بعد تفكيكها لانه من الممكن جدًا ان نحصل على أدوات مشوهة و قد تكون تلك مقتل تلك الفكرة أو إنهاء و تدمير تلك الأداة .

ماذا عن بعض المؤسسات .
وانا اقرا خبراً حول تعاقدات الخطوط الجوية العراقية ومنها توقف العمل على ١٨ طائرة مدنية مخصصة لنقل المسافرين ضمن الخطوط الجوية العراقية والتي تمتلك ٣٥ طائرة مختلفة الانواع لاسباب عديدة ( ان موضوع الخطوط الجوية موضوع تراكمي ومنذ سنوات عديدة وادارات متعددة) .فمن خلال هذا الخبر وجدت ان بعض مؤسسات الدولة اتت عليها العمر والتقادم ولاتزال اليات عملها ونظمها الداخلية قديمة وجرى عليها عمليات تحويرية ولا تتلائم مع المتغيرات الحديثة كما وان هذه المؤسسات حالها حال المواد البلاستيكية السابق ذكرها ،اي لا يمكن اعادة انتاجها واعادتها الى الحالة المثمرة والمنتجة من خلال تفكيك وتذويب بعض اجزائها او تجديدها (وهذا الذي يحصل ) فحيث ما تم العمل عليها وفق نظرية الإذابة والإنتاج والهندسة العكسية فانها ستظل غير قادرة على الإنتاج و غير قادرة على مجارات المتغيرات السريعة كما و ان تلك المؤسسات نفسها أصبحت عبئاً على المتلقي وعلى الدولة مما يحتم على القائمين على الامر إنهاء تلك المؤسسات التي تشوهت مع مرور الوقت بسبب التجديد الجزئي والتفكيك والاذابة ،والعمل على ايجاد مؤسسات جديدة وليست اعادة لمؤسسات كانت قائمة لان اعادة تلك المؤسسات تعني اعادة التشوه الحاصل فيها مرة اخرى هذا سوف لن يكون مجديا أبدا فهي ستزيد من النتاج المشوه . ذلك ان تلك المؤسسات قد تشوهت اساساً بما فيه الكفاية نتيجة عمليات الاضافة والنقصان من التفكيك والتحديث