علم تشكل البنية السياسية

علم تشكل البنية السياسية

يطلق على علم التشكل كمصطلح (مورفولوجيا )او (morphology) ويمكن تعريف هذا المجال بانه علم بحث وتحديد الاشكال السطحية لظاهرة ما او لموجود ما ، مما يتيح فهم اكثر لشكل تلك الظاهرة وامتداداتها وايضا مسبباتها.


وقد تداخل علم التشكل او المورفولجيا مع الكثير من العلوم التطبيقية وفروعها ،فهنالك مثلا مورفولوجيا النباتات والذي يبحث في الشكل الخارجي للنبات وخصائصه وحتى بعض اليات عمله، ولكتلة وجود فرع خاص في الجيولوجيا باسم جيومورفولجيا حيث يبحث هذا الفرع من الجيولوجيا في الاشكال السطحية للارض واسباب تشكل هذه الاشكال والظواهر وانعكاسات هذه الظواهر على تلك المنطقة مثل الوديان والطبقات الصخرية ، وعلاقة تشكيل هذه الظواهر على سطح الارض مع الحركات الداخلية ( البنائية او البانية ) للطبقات الصخرية تحت سطح الارض اي تلك الفعاليات التي تدفع بالطبقات الصخرية نحو السطح كنتيجة لعمليات ارضية معقدة وفي نفس الوقت تاثير الظروف الجوية من التعرية والتجوية الى حين تشكل هذه الظواهر المميزة على سطح الارض وذلك مع مرور الوقت ولفترات زمنية مختلفة ، وكخلاصة الكلام فان المورفولوجيا هو انعكاس ما حصل داخلياً على السطح مع ما يوثر عليه من تغييرات خارجية بالتالي ممكن من خلال المورفولوجيا معرفة الاسباب والمسببات والاسس الذي ساهم في تشكيل المنطقة او الرقعة الجيولوجية.
البنية السياسية .
يمكن تبسيط ماهية البنية السياسية بانها تلك الترابط الافقي بين مختلف التشكيلات السياسية المترابطة داخلياً بصورة عمودية ، وايجاد علاقات للتفاهم والتعاون فيما بين التشكيلات السياسية وحتى علاقات التضاد في بعض الاحيان للتلك التشكيلات السياسية والتي تنتج في نهاية المطاف هيئة متبلورة لحالة سياسية عامة تسمى بالنظام السياسي والذي يكون بمنىء عن النظام الاداري والذي هو عبارة عن مجموعة اسس قانونية وتنظيمية مختلفة المستويات مع ادوات تطبيقية لغرض ادارة الدولة، وباجتماع النظام السياسي مع النظام الاداري مع انظمة اخرى تتشكل منظومة الدولة.
بالتالي فان اساس نجاح الدولة وابتعادها عن حالة ( الدولة الفاشلة ) يعتمد كركن اساسي على النظام السياسي ليكون هذا النظام ناتجاً عن البنية السياسية ولتكون البنية السياسية معتمدةً على مدى نضوج العلاقات بين مختلف التيارات والتشكيلات السياسية.
ماذا لدينا في العراق ؟
ان منظومة الدولة العراقية معقدة جداً وقد تكون اعقد من غالبية بلدان العالم واعقد بصورة قطعية من جميع بلدان المنطقة ، ذلك ان جيوبوليتيك العراق فرض على الدولة انظمة سياسية وادارية ومالية واجتماعية لم تفرض على بلد من بلدان المنطقة، ولتجتمع جميع هذه الانظمة لانتاج منظومة الدولة العراقية ،لتعمل على ديمومة العراق منذ الالف السنين وبمختلف المسميات والوضعيات ، فتارة العراق هو حضارة وادي الرافدين واخرى هو العديد من الامبراطوريات على مستوى العالم والتي حكمت واستحكمت المنطقة واخرى العراق هو تلك البقعة الجغرافية المستباحة والمحتلة من قبل دول وامبراطوريات مختلفة ولتكبر جغرافية البلاد حينًا وتصغر احياناً ، مما اضافت الى هذه البلاد تعقيداتها المعروفة وصعوبة مراسها .
الا اننا لو امعنا النظر قليلًا في هذا التاريخ الحافل للبلاد والممتد لاكثر من سبعة الالف سنة فسوف نجد ان البداية الواضحة في هذه الرقعة كانت من خلال النظام السياسي والتي دمجت مع النظام الاداري لتنتج اولى اشكال ادارة الدول ( دويلات المدن السومرية ) قبل حوالي ٢٨٠٠ سنة قبل الميلاد ( اي حوالي خمسة الالف سنة من الان) وليتغير النظام السياسي مع مجيىء سرجون الأكدي ( ٢٣٥٠ سنة ق م) وليشكل اولى الامبراطوريات البشرية على الارض بمفهوم سياسي واداري جديد ولتبدأ قصة التغير المستمر في البلاد من خلال تغيير الانظمة السياسية والادارية فيها وصولاً الى العصر الحديث وما نحن عليه الان.
قد يقول المتلقي ما الجدوى من معرفة هذه الاحداث التاريخية وهنا يجاوبنا الفيلسوف الاسباني جورج سانتيانا ( القرن التاسع عشر ) ( كُتب على الذين لا يقرؤون التاريخ ان يعيدوه بانفسهم ) ، فالجدوى مما ذكرناه بصورة مقتضبة هي لحتمية المعرفة بان المنظومات المختلفة في العراق دائم التغير وبصورة سريعة اي مورفولجية البنية السياسية في تغير دائم مع كل اختلاف داخلي (بنائية) او خارجي ( ظروف محيطة) .
كيف ذلك ؟
كما اوضحنا سابقًا فان الجيوموفولجيا هي حصيلة الحركات البنائية (الداخلية )للطبقات الصخرية المختلفة والتي تعطي الشكل العام لسطح الارض فيما تضيف عوامل التعرية والتجوية ( عوامل خارجية ) الاشكال الاساسية الى هذا السطح لتنتج شكل نهائي لسطح الارض وليستمر تبلور في الشكل النهائي ما دامت هناك حركات داخلية وتاثيرات خارجية بنفس النسق .
بالتالي فان مورفولجية البنية السياسية العراقية هو بالضبط شبيه لمورفولوجية سطح الارض ( الجيومورفولجية ) حيث ان الحركات الداخلية المختلفة المتكونة من التوجهات الدينية والطائفية والقومية والمفاهيم العلمانية واقصى اليمين واقصى اليسار في كل ما تم ذكره اي ( الجيوبولوتيك) ، فجميع هذه التوجهات تنتج لدينا الحركة الداخلية البنائية للسياسية فيما تكون التاثيرات المختلفة من الايديلوجيات غير المحلية و التاثيرات الدولية والاقليمية تمثل العوامل الخارجية ،وبالعمل المتناغم او المتضاد او المستقل للحركات الداخلية مع العوامل الخارجية تشكلت مورفولوجية البنية السياسية للدولة العراقية مرة اخرى بعد ٢٠٠٣ ولتنتج النظام السياسي الحالي متعشقة بالنظام الاداري ( رغم عدم الملائمة) ولتتكون منظومة الدولة العراقية الحديثة.
هنا علينا ان انؤكد على ان اي تشكيل لاية حكومة جديدة على مر الانتخابات سوف لن تختلف كثيرًا عن ما يسبقها بسبب تشكل البنية السياسية والتي تنبني عليها كل شي مع مرور الزمن بالتالي ان المطالب التي لم تستطع ان تحققها حكومات سابقة لن تقدر عليها الحكومات المتتالية بصورة مباشرة وانما تحتاج الى وقت لغرض حصول بعض التغييرات في مورفولجية البنية السياسية من خلال تغيير الحركات الداخلية لبعض توجهاتها او قناعاتها الفكرية او تغير العوامل الخارجية اي ( حصول تغير في النسق العام للفعاليات الداخلية والخارجية )ومع ثبات واستمرار النسق نفسه للعوامل الداخلية والخارجية فذلك يعني لن يكون هناك اي تغيير في مفهوم الحكومات المتعاقبة وهنا فقط يكون لعامل الزمن القول الفصل . فالنظام الحالي تشكلت وفق جميع التعقيدات التي ذكرناها انفاً وفي فترة زمنية حرجة وشروط جيوبولوتيكية قاسية بالتالي فان هذا النظام حتمًا يحتاج الى فترة زمنية للتحور لغرض انتاج اجابات للمطالبات الموجودة والتحول الى استقرار فعلي متوازن في مورفولوجية بنيته السياسية ،اما التسارع في تحقيق تلك المطالبات واطلاق وعود وردية من غير انتظار عامل الزمن قد يكون نتيجته وخيمة اكثر من عدم تحقيق تلك المطالبات فالحكومة لا تمتلك عصى سحرية.